دعونا نفترض أن الإجابة على سؤال “هل يُمكن تتبعك رغم استخدام VPN” هي “نعم”، فهل هذا يعني أنها لا تستحق الاستخدام؟ في الواقع، لا توجد أي أداة مُخصصة لحماية الخصوصية قادرة على إخفاء هويتك بالكامل أو حجب وجودك الرقمي على الانترنت. بالرغم من ذلك، فإن “القليل من حماية الخصوصية أفضل من عدم وجودها على الإطلاق”، أليس كذلك؟
تتبعك رغم استخدام VPN
لولا خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية، VPN، لما تمكنا من فعل الكثير من الأشياء على الانترنت. بدونها، لما تمكنت من تجاوز قيود مواقع الويب المحظورة في بلدك، أو الاستمتاع بمحتوى الفيديو المحمي في منطقتك، أو إخفاء هويتك الرقمية ونشاطك على الويب من مزودي خدمات الانترنت وأدوات التتبع، هذا على افتراض أنك تستخدم شبكة VPN موثوقة وعالية الجودة.
بالرغم من ذلك، فإن الاعتماد على أفضل مزودي خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية لا يعني أنه لا يمكن تتبعك رغم استخدام VPN، وهو ما ناقشناه سابقًا بشكل جزئي في مقال هل تستطيع الحكومات معرفة أنك تستخدم خدمة VPN ؟ لكن ليس لأنها عاجزة عن توفير مقدار الخصوصية الذي كنت تتمناه، فإن هذا يعني أنها لا تستحق الاستخدام. على الأقل هذه الخدمات قادرة على حمايتك من أعين المتطفلين واستهدافك بالإعلانات، وتقييد مزودي خدمات الانترنت أو برامج التتبع من مراقبة نشاطك على الويب.
■ الفرق بين الخصوصية وإخفاء الهوية
قبل الحديث عن كيف يتم تتبعك رغم استخدام VPN، دعونا نوضح أولاً جزئية في غاية الأهمية ، وهي التمييز بين حماية الخصوصية وإخفاء الهوية. إن المغزى من “حماية الخصوصية” هو إخفاء أنشطتك عن الجهات الخارجية التي تحاول التنصت عليك أثناء وجودك على الويب، كمثال على مزودي خدمات الانترنت والمتسللين عبر شبكات الواي فاي العامة. ولكن حتى مع إخفاء أنشطتك، فلا تزال بعض مواقع الويب قادرة على تخزين ملفات تعريف الارتباط Cookies وتسجيل بعض المعلومات المتعلقة بزياراتك الأخيرة.
من ناحية أخرى، فإن إخفاء الهوية يعني عدم ترك أي أثر لوجودك على الانترنت. وإذا كنا نريد تعريف “الخصوصية الكاملة” في أفضل صورها، فهي من المفترض أن توازي تعريف “إخفاء الهوية”، إلا أن تحقيق هذا الأمر بات شبه مستحيلاً في ظل الانتشار الواسع لأدوات التتبع والبيانات الوصفية.
هذا يعني أنه يمكن تتبعك رغم استخدام VPN، ولكن هل عدم القدرة على إخفاء هويتنا بالكامل يجعلنا نضحي بحماية خصوصيتنا، حتى وإن كانت بشكل جزئي؟ إن الهدف الذي تعمل عليه برامج VPN هو حماية أنشتطك على الويب وجعلها خاصة قدر الإمكان، وتعظيم حريتك عن طريق السماح لك بالوصول إلى المحتوى المقيّد في منطقتك، وتفادي العديد من المخاطر الرقمية التي تجوب أنحاء الانترنت.
فإذا افترضنا أنه لا يزال من الممكن تتبعك رغم استخدام VPN، وأنك لن تستطيع إخفاء هويتك بالكامل، لكنها على الأقل قادرة على تشفير بياناتك وإخفاءها عن المراقبين، الأمر الذي يلعب في صالح خصوصيتك بالمقام الأول.
■ ما الذي تستطيع برامج VPN إخفاؤه بالضبط؟

عنوان IP الخاص بك: تحتوي أجهزة الراوتر على عنوان IP فريد وخاص بها، ويُستخدم هذا العنوان لتحديد هويتك وموقعك الجغرافي. تستطيع شبكات VPN إخفاء عنوان IP الخاص بك واستبداله بعنوان IP وهمي عن طريق إعادة توجيه بياناتك عبر خوادم VPN متواجدة في أماكن مختلفة حول العالم، اعتمادًا على منطقة الخادم التي تتصل منها. بهذه الطريقة، تعتقد مواقع الويب أنك تزورها من بلدان مختلفة بخلاف موطنك الحقيقي.
سجلات التصفح: يحاول بعض مزودي خدمات الانترنت مراقبة أنشطة التصفح الخاصة بالمستخدمين. بفضل شبكات VPN، يتم إخفاء أنشطة التصفح الخاصة بك عن أي جهات خارجية، بما في ذلك شركات الانترنت التي تتعاقد معها. بهذه الطريقة، لا يُمكن لأي طرف ثالث معرفة طبيعة استخداماتك أو مواقع الويب التي تزورها أو ما تفعله على الانترنت بشكل عام. لا يزال مزود خدمة الانترنت قادر على تحديد ما إذا كنت تستخدم شبكة VPN بكل سهولة، ولكنه لا يستطيع أي يفعل أي شيء في هذا الصدد. يحاول بعض مزودي خدمات الانترنت حظر برامج VPN لمنعك من استخدامها، إلا أنه لا يزال هناك طريقة مضمونة لتشغيل برامج VPN في البلدان العربية المحظورة كما شرحناها سابقًا.
اقرأ أيضًا: افضل برامج VPN تتيح تجربة مجانية لفترة محدودة
موقعك الجغرافي: بما أن موقعك الحقيقي مرتبط بعنوان بروتوكول الانترنت (IP)، فإن إخفاء هذا الأخير يعني في الوقت ذاته أنه لا يُمكن تحديد موقعك أو مكانك الفعلي. عبر برامج VPN، يتم إعادة توجيك بياناتك عبر خوادم موزعة في جميع أنحاء العالم. فإذا كنت تتصل عبر خادم في الولايات المتحدة، فإن متتبعي الانترنت لا يستطيعون معرفة دولتك الحقيقية لأن عنوان IP الذي يظهر لهم يكون من الولايات المتحدة أيضًا. بهذا الشكل، يستطيع المتسللين أو مواقع الويب رؤية خادم VPN الذي تتصل منه وليس موقعك الحقيقي في الكرة الأرضية.
التنزيلات: على غرار سجلات وأنشطة التصفح، لا تستطيع أي جهة خارجية معرفة التنزيلات التي تقوم بتحميلها عبر الويب، بما في ذلك تنزيلات التورنت. لا يزال مزودي خدمات الانترنت قادرين على تحديد كمية البيانات (حركة النطاق الترددي) للملفات التي تقوم بتنزيلها، لكنهم غير قادرين على تحديد نوع هذه الملفات سواء كانت فيديوهات أو مستندات أو برامج أو ألعاب أو ملفات مباشرة. بمعنى آخر، لا يُمكن لأي جهة خارجية معرفة الأسماء الحقيقية أو ماهية محتوى الملفات الذي تقوم بتحميله.
■ ما لا تستطيع برامج VPN إخفاؤه؟

البيانات المرسلة من جهازك إلى مواقع الويب: في سياق الحديث عن معرفة هل لا زال من الممكن تتبعك رغم استخدام VPN، فدعونا نوضح أنه لا تزال هناك بعض أدوات التتبع ومواقع الويب التي تستطيع معرفة الصفحات التي تزورها. جميع مواقع التواصل الاجتماعي ومتاجر البيع الإلكترونية تبيع بياناتك الشخصية طواعية لتحقيق المزيد من الأرباح عن طريق استهدافك بالمحتوى الذي قد لاقي اهتمامك من قِبل المعلنين. بمعنى آخر، قد لا يراك مزودي خدمات الانترنت وأنت متواجد على انستقرام، ولكن بمجرد أن تقوم بالتفاعل على أحد الفيديوهات – كتسجيل إعجابك أو الرد على المنشورات، فسيتم تخزين هذه المعلومات.
حجم النطاق الترددي المستخدم: هذا أمر مفروغ منه بشكل كبير. بينما لا يستطيع مزود الخدمة تحديد ماهية محتوى الملفات التي تقوم بتحميلها عبر الانترنت، إلا إنه يستطيع مراقبة حركة النطاق الترددي الخاص بك وتحديدها بسعة الجيجابايت. فإذا قمت اليوم بتحميل ملفات بحجم 50 جيجابايت، فسيعرف مزود الخدمة ذلك.
ملفات تعريف الارتباط وسجلات البحث: تستطيع شبكات VPN إخفاء صفحات مواقع الويب التي تزورها، ولكنها لا تستطيع إخفاء هذه المعلومات عن مالكي مواقع الويب أنفسهم. جوجل على سبيل المثال تستطيع مراقبة سجلات البحث الخاصة بك وتتبعها، كذلك نفسك الأمر عبر ملفات تعريف الارتباط من قِبل مالكي مواقع الويب.
الخلاصة
لهذه الأسباب، لا يزال من الممكن تتبعك رغم استخدام VPN، ومن المستحيل إخفاء هويتك والحفاظ على سريّتها بنسبة 100% أثناء تواجدك على الانترنت، بصرف النظر عن جميع محاولاتك أو الإجراءات التي تتخذها لتحقيق ذلك. لذلك، بعد معرفتك أنه لا يزال من الممكن تتبعك رغم استخدام VPN، فقد يكون من الأفضل اتخاذ بعض الخطوات الإضافية كتعطيل وحذف ملفات تعريف الارتباط من أجهزتك بانتظام والتفكير في الاعتماد على محرك بحث بديل لبحث جوجل كمثال على DuckDuckGo لأن هذا الأخير يضع حماية الخصوصية ضمن أولوياته القصوى.
اقرأ المزيد: كيفية استخدام VPN مع جوجل كروم دون تثبيت أي برامج خارجية
****************************