تتطور أجهزة التوجيه Routers بمرور الوقت، ولكنها لا تزال مقتصرة على وظيفتها الأساسية، ألا وهي منحنا القدرة على الوصول إلى الانترنت والشبكة العنكبوتية. ولكن يبدو أن لمعهد البحوث الوطني للمعاير والتكنولوجيا في الولايات المتحدة رأياً مخالفاً لهذا الأمر، إذ توصل أحد الباحثين في المعهد إلى إمكانية استخدام أجهزة الراوتر لقياس معدلات التنفس وتحديد الوقت الذي يواجه فيه الإنسان صعوبات في التنفس.
قياس معدلات تنفس الإنسان
من انقطاع النفس الانسدادي النومي والمعروف طبياً باسم “توقف التنفس أثناء النوم” إلى فترات النوم القلبية والمتعارف عليها باسم أنين وشخير النوم – يواجه العديد منا مشاكل عديدة في فترات الليل عندما نكون في الفراش. هذا يجعل من الصعب اكتشافها أو حتى القدرة على تشخيصها. ولكن الأخبار السارة، أن هناك بالفعل العديد من الأجهزة والأدوات التي تمكننا من تشخيص تلك الحالات بسهولة، وذلك بفضل أفضل الساعات الذكية. ومع ذلك، البعض منا قد يتضرر من ارتداء الساعات الذكية أثناء النوم، فهل من الممكن أن تكون هناك أداة أخرى قادرة على قياس معدلات تنفس الإنسان أثناء النوم دون أن يكون مُضطر على ارتدائها؟
من حسن الحظ، تمكن العلماء في معهد البحوث الوطني للمعاير والتكنولوجيا بالولايات المتحدة NIST من اكتشاف طريقة تتيح لنا القدرة على استخدام أجهزة الراوتر من أجل قياس معدلات تنفس الإنسان، وليس ذلك فقط، بل أيضاً لاكتشاف الفترات والأوقات التي يعاني خلالها الإنسان من التنفس المتقطع.
■ كيف يمكن لأجهزة الراوتر قياس معدلات تنفس الإنسان ؟
إذا كنت تستخدم أفضل راوتر واي فاي أو إحدى أنظمة الشبكة المتداخلة في منزلك، فإن هذه الأجهزة تبث الترددات على هيئة موجات لاسلكية في جميع أنحاء المنزل. إنها تنتقل في أجواء المنزل مثلها مثل الهواء، ولكنها ليست مرئية للعين. تنتقل موجات الترددات اللاسلكية المنبعثة من أجهزة الراوتر أو ترتد عبر الحوائط والجدران وأثاث المنزل وحتى الأشخاص. عندما تبدأ أجهزة الراوتر في بث الموجات اللاسلكية باستمرار، تتغير مسارات الموجات من خلال عملية تنفس الإنسان وحركة الزفير. لذا وباختصار شديد، ترتد موجات اللاسلكية عندما تقترب من أنف الإنسان بفضل حركات الشهيق والزفير المستمرة قبل وأثناء انتقالها إلى هاتفك الذكي أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك.
اكتشف الباحثون في المعهد الوطني لبحوث المعايير والتكنولوجيا طريقة بسيطة لتحليل أو قياس معدلات تنفس الإنسان من خلال هذه التغيرات والتقلبات في الموجات اللاسلكية التي تبثها أجهزة الراوتر، وذلك لمعرفة ما إذا كان هناك شخص في المنزل يعاني من مشاكل أو صعوبات في التنفس أثناء النوم.
■ كيف توصلنا إلى هذا الابتكار ؟
إنه عام 2020 البائس الذي ضربت فيه جائحة كورونا الجنس البشري كان دافعاً قوياً لبعض العلماء في معهد NIST من أجل اكتشاف طريقة تُمكن الإنسان من قياس معدلات تنفسه في ظل أزمة توافر العديد من أجهزة التنفس الصناعي. لم يكن هناك وقت كافي لتطوير جهاز جديد. ولذلك، بقيادة Jason Coder لفرقة مجموعة المقاييس المشتركة بالمعهد، بدأوا في البحث عن الوسيلة التي يُمكن من خلالها استغلال التكنولوجيا المتوفرة حالياً بدلاً من تطوير أدوات أو أجهزة جديدة قد تتطلب المزيد من الوقت والتكاليف.
عمل الفريق بقيادة Jason والتعاون مع مكتب العلوم والهندسة التابع لإدارة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة بقيادة Susanna Mosleh على إيجاد طريقة من أجل استخدام أجهزة التوجيه اللاسلكية من أجل قياس معدلات تنفس الإنسان. ولكي يتمكنوا من تحقيق ذلك، استخدموا المعلومات المتوفرة في حالة قناة CSI المعروفة باسم الإشارات المرسلة والتي تنتقل من جهاز الراوتر اللاسلكي إلى أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، والبدء في مراقبة التغيرات والتشوهات التي تؤثر على حالة الموجات اللاسلكية أثناء بثها في الهواء، وعندما ترتطم بشخص ما أو تتأثر من خلال حركة زفير تنفسه.
تطلب الأمر التعديل على البرامج الرئيسية المسؤولة عن تشغيل الراوتر للحصول على تدفقات من حالة قناة CSI بشكل مستمر ومتكرر يصل معدلاتها إلى 10 مرات في الثانية الواحدة، وهذا من أجل التوصل إلى نتائج أكثر دقة لمراقبة التغيرات التي تحدث في حركة الموجات اللاسلكية.
اقرأ أيضاً: حل مشكلة ضعف شبكة الجوال في المنزل بسبب العوازل
طور Coder وفريقه من العلماء نموذج على هيئة مانيكان يبدأ في التنفس بشكل متباطئ بشكل مماثل للإنسان الذي يعاني من حالة هبوط في التنفس، وحالة أخرى وهي التنفس بوتيرة سريعة مثل الحالات المشابهة للأشخاص الذين يعانون من الربو والالتهاب الرئوي وأمراض انسداد الرئة المزمنة الأخرى. تم وضع نموذج المانيكان في غرفة عديمة الصدى مع جهاز راوتر واي فاي. اتضح من خلال التجربة أنه عندما يتنفس المانيكان، تتسبب حركة صدره في تغيير مسار إشارات الموجات اللاسلكية.
ومع ذلك، كان على فريق العلماء فهم العديد من البيانات التي تمكنوا من جمعها في نهاية التجربة. لقد اضطروا على تطوير خوارزمية أطلقوا عليها مُسمى BreathSmart التي تعمل على تمشيط البيانات التي يتم جمعها من خلال قناة CSI التي يتم التقاطها. نجحت الخوارزمية في التعرف على أنماط وتغيرات حركة التنفس الغير طبيعية بمعدلات نجاح وصلت إلى 99.54%.
■ ماذا قال فريق العلماء بعد التجربة ؟
على الرغم من نجاح خوارزمية BreathSmart في تحديد حالات متعددة من أنماط تنفس الإنسان، إلا أن الفريق أكد على أنه من الصعب إطلاق مثل هذه الميزة لعامة الجمهور خلال المرحلة المقبلة. يأمل فريق العلماء بقيادة Coder أن يتمكنوا في المستقبل القريب من استخدام هذه التجربة في الأبحاث الخاصة بهم لإنشاء برامج متطورة قادرة على قياس معدلات تنفس الإنسان بشكل أفضل في المستقبل.
وقد صرح Coder في بيان صحفي حول خوارزمية BreathSmart قائلاً: “إن جميع الطرق التي نسعى من أجل جمع البيانات من خلالها تتم باستخدام أجهزة التوجيه اللاسلكية في الوقت الحالي. وسيكون من السهل في المستقبل استخدام تطبيقات الهواتف الذكية لإجراء عملية القياس والتشخيص التي أجريناها في هذه التجربة. إن نجاحنا في هذه التجربة يعني شيء واحد في غاية الأهمية، وهو أنه من الممكن لأي شخص تطوير خوارزمية متقدمة خاصة به والاستفادة منها من أجل خدمة الإنسان والبشرية. إن التجربة الخاصة بنا ما هي إلا مُجرد خيط من نسيج وإطار عمل مثمر لمساعدة الإنسان في الحصول على المعلومات التي قد يحتاج لها”.
الخاتمة
بعد نجاح تجربة Coder وزملائه في المعهد الوطني لبحوث المعايير والتكنولوجيا بمساعدة مكتب العلوم والهندسية FDA في قياس معدلات تنفس الإنسان باستخدام أجهزة التوجيه الواي فاي، من المتوقع أن نرى في المستقبل القريب بعض التطبيقات المشابهة لهذه التقنية.
ومن المؤكد أن صانعي أجهزة الشبكات يكثفون جهودهم في الوقت الحالي وينفقون المزيد من الأموال في أعمال البحث والتطوير من أجل اكتشاف طرق جديدة تمنحهم القدرة على الاستفادة من تلك التقنية لاكتساب ميزة تنافسية ساحقة في سوق الأجهزة اللاسلكية ومعدات الشبكة. ومن يدري، ربما تكون أجهزة الراوتر قادرة في المستقبل على إنقاذ حياة الإنسان. نأمل فقط أن يكون هذا الأمر عاجلاً وليس آجلاً. الآن أخبرونا بأفكاركم حول هذه التقنية الجديدة وأي منكم يتمنى رؤيتها في المستقبل القريب.
اقرأ أيضاً: ما هو العمر الافتراضي لأجهزة الراوتر
*************************